responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 494
بِضَمِيرِ الْخِطَابِ إِمَّا لِنُكْتَةِ اسْتِحْضَارِ حَالِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ الْمُخَاطَبِينَ مِثَالَهُمْ وَصُورَتَهُمْ فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ مِنَ الْفَضَائِلِ لِآبَاءِ الْقَبِيلَةِ يَثْبُتُ لِأَعْقَابِهِمْ فَالْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ عَلَى حَدِّ مَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ [الحاقة: 11] فَالْخِطَابُ لَيْسَ بِالْتِفَاتٍ لِأَنَّ اعْتِبَارَ أَحْوَالِ الْقَبَائِلِ يُعْتَبَرُ لِلْخَلَفِ مَا ثَبَتَ مِنْهُ للسلف.
[50]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
هَذَا زِيَادَةٌ فِي التَّفْصِيلِ بِذِكْرِ نِعْمَةٍ أُخْرَى عَظِيمَةٍ خَارِقَةٍ لِلْعَادَةِ، بِهَا كَانَ تَمَامُ الْإِنْجَاءِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَفِيهَا بَيَانُ مِقْدَارِ إِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَمُعْجِزَةٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَعْدِيَةُ فِعْلِ فَرَقْنا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ بِوَاسِطَةِ الْحَرْفِ جَارٍ عَلَى نَحْوِ تَعْدِيَةِ فعل نَجَّيْناكُمْ [الْبَقَرَة: 49] إِلَى ضَمِيرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفَرَقَ وَفَرَّقَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ إِذِ التَّشْدِيدُ يُفِيدُهُ تَعْدِيَةً وَمَعْنَاهُ الْفَصْلُ بَيْنَ أَجْزَاءِ شَيْءٍ مُتَّصِلِ الْأَجْزَاءِ، غَيْرَ أَنَّ فَرَّقَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ التَّفْرِقَةِ وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْأَجْزَاءُ الْمُفَرَّقَةُ أَشَدَّ اتِّصَالًا، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فَرَّقَ لِلْأَجْسَامِ وَفَرَقَ لِلْمَعَانِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ [1] وَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ بِدَلِيلِ
هَذِهِ الْآيَةِ، فَالْوَجْهُ أَنَّ فَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ لِمَا فِيهِ عِلَاجٌ وَمُحَاوَلَةٌ وَأَنَّ الْمُخَفَّفَ وَالْمُشَدَّدَ كِلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ فِي فَصْلِ الْأَجْسَامِ وَأَمَّا فِي فَصْلِ الْمَعَانِي الْمُلْتَبِسَةِ فَمَجَازٌ.
وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْقِرَاءَاتُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْعَشْرُ عَلَى قِرَاءَةِ (فَرَقْنَا) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّخْفِيفُ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ ذَلِكَ الْفَرْقُ الشَّدِيدُ خَفِيفًا.
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ وأل فِي (الْبَحْر) للْعهد وَهُوَ الْبَحْرُ الَّذِي عَهِدُوهُ أَعْنِي بَحْرَ الْقُلْزُمِ الْمُسَمَّى الْيَوْمَ بِالْبَحْرِ الْأَحْمَرِ وَسَمَّتْهُ التَّوْرَاةُ بَحْرَ سُوفٍ.
وَالْبَاءُ فِي (بِكُمْ) إِمَّا لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا فِي طَارَتْ بِهِ الْعَنْقَاءُ وَعَدَا بِهِ الْفَرَسُ، أَيْ كَانَ فَرْقُ الْبَحْرِ مُلَابِسًا لَكُمْ وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُلَابَسَةِ أَنَّهُ يُفْرَقُ وَهُمْ يُدْخُلُونَهُ فَكَانَ الْفَرْقُ حَاصِلًا بِجَانِبِهِمْ. وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» كَوْنَ الْبَاءِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِكُمْ يَعْنِي لِأَجْلِكُمْ.
وَالْخِطَابُ هُنَا كَالْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [الْبَقَرَة: 49] .
وَقَوْلُهُ: فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ هُوَ مَحَلُّ الْمِنَّةِ وَذِكْرِ النِّعْمَةَ وَهُوَ نَجَاتُهُمْ مِنَ الْهَلَاكِ وَهَلَاكُ عَدُوِّهِمْ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

[1] «الفروق» للقرافي 1/ 4- عَالم الْكتب.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 494
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست